October 26, 2003

ما كان طاغوتيا في الأمس أصبح لاهوتيا اليوم


علي نوري زاده
صبيحة الخامس من ابريل (نيسان) عام 1979 ـ بعد شهرين من سقوط النظام الملكي في ايران وبعد اقل من اسبوع من اجراء الاستفتاء العام الذي اسفر عن قيام نظام مجهول تحت اسم «الجمهوري الاسلامي» توجه الدكتور شريف خريج امبريال كولج بلندن، في «الابحاث النووية» الى مقر «منظمة الطاقة الذرية» وفقا لقرار كان يعود تاريخه الى ديسمبر (كانون الاول) عام 1978. بحيث حدد سكرتير مساعد رئيس الوزراء ورئيس المنظمة الدكتور أكبر اعتماد موعدا له لمقابلة الدكتور اعتماد خلال مكالمة هاتفية اجراها الدكتور شريف من مقر البعثة العلمية الايرانية بشارع «انيسمور غاردن» بمنطقة كنزينغتون.


لقد كان الدكتور شريف نفسه احد الطلبة المتقدمين في كلية الفيزياء بجامعة بهلوي في شيزار، التي كانت تتنافس مع ابرز الجامعات الامريكية من حيث كادرها التعليمي ومناهجها وطلابها. نال شريف شهادة الماجستير في الفيزياء بدرجة جيد جدا ما قد أهله لمنحة منظمة الطاقة الذرية لدورة الدكتوراه. هكذا توجه شريف الى لندن في عام 1973 وسرعان ما التحق بالكولج الملكي (امبريال كولج)، حيث واصل دراسته العليا ونال شهادة الدكتوراه في عام 1978. وكغيره من الطلبة الايرانيين في الخارج، كان الدكتور شريف مشتاقا للعودة الى الوطن فورا، حيث كان مستقبل زاهرا بانتظاره، وبعد ان راجع البعثة العلمية، حيث تم تسجيل وختم شهاداته الجامعية اقترح الدكتور دشتي الملحق التعليمي آنذاك بأن يتصل الدكتور شريف من لندن ومن هاتف البعثة بمكتب الدكتور اعتماد في طهران حتى يتم تحديد موعد له لمقابلة رئيس منظمة الطاقة النووية.
حينما وصل الدكتور شريف الى طهران، لم يكن مسقط رأسه كما غادره قبل خمس سنوات، إذ ان الشوارع الممتدة من مطار مهرآباد الى شارع البرز، حيث بيته العائلي، كانت مزدحمة بالجماهير التي كانت تهتف الموت للشاه، يحيا الخميني!
من هو الخميني؟ هكذا سأل الدكتور شريف أحد اشقائه.
ـ لا أصدق أنت حامل شهادة الدكتوراه في الفيزياء النووية ولا تعرف الامام الخميني، ألم تر صورته الالهية على القمر (في ذلك الحين، وبموجب دعاية رجال الدين في المساجد. كان بسطاء الناس قد صدقوا بأن صورة الخميني قد ظهرت فعلا على سطح القمر).
هكذا رد شقيق الدكتور شريف وهو نفسه مهندس معمار معروف على شقيقه الواصل من لندن.. سقط النظام الملكي، وانتهى أمر رجال الشاه، اما في ساحات الاعدام أو زنزانات الثورة، ومنهم من كانوا من ذوي الحظ الاوفر مثل الدكتور اعتماد رئيس منظمة الطاقة الذرية، غادروا وطنهم متجهين الى المنافي الممتدة من استراليا شرقا الى الولايات المتحدة غربا.
وبالنظر الى ان الدكتور شريف كان يتصور بأن تغيير النظام ومجيء الامام الخميني على رأس الحكم لن يتسببا في تغيير عمل المؤسسات والدوائر المعنية بالشؤون العلمية مثل منظمة الطاقة الذرية، فإنه وضع شهاداته في حقيبة وتوجه الى مقر منظمة الطاقة الذرية في الخامس من ابريل (نيسان) 1979 وهو واثق من ان المدير الجديد للمنظمة سيرحب به وسيدعوه لبدء عمله فورا في احد مختبرات المنظمة أو في مفاعل بوشهر النووي، حيث كانت شركة زيمنس الألمانية تتولى بناء أحد اكبر المفاعلات النووية في آسيا. حينما وصل الدكتور شريف الى مقر المنظمة، فوجئ بمشاهدة بعض الشبان الملتحين. وبيدهم رشاشات كلاشنيكوف فهم يمنعون الناس من دخول المقر. توجه الدكتور شريف الى احد الشبان قائلا: لدي موعد مع مدير المنظمة! نظر الشاب الثوري الى الدكتور شريف نظرة العاقل الى السفيه وقال ضاحكا: مدير المنظمة؟! يبدو انك من اصحاب الكف، ألا تعرف ماذا حصل؟ لقد ذهب الطاغوت ـ الشاه ـ الى جهنم ومعه منظمة الطاقة الذرية، عليك ان تبحث عن عمل جاد في الحرس الثوري أو اللجان الثورية.
عاد الدكتور شريف الى لندن بعد بضعة اشهر سعى خلالها بشتى الطرق والوسائل للوصول الى المهندس بسنديده ابن شقيق الامام الخميني الذي عين رئيسا لمنظمة الطاقة الذرية من قبل رئيس الوزراء بعد الثورة مهدي بازركان، غير ان الابواب بدت مغلقة امامه، بعد ان قيل له، ان النظام الجديد قرر الغاء المشاريع الصناعية الكبرى، التي كان الشاه ينوي اقامتها وفي مقدمتها مشروع المفاعل النووي في بوشهر.
عاد الدكتور شريف الى لندن وآماله خابت بالعمل في وطنه لخدمة الشعب الذي دفع من لقمة عيشه، تكاليف دراسته في افضل الجامعات البريطانية، وبريطانيا في عام 1979 كانت تعاني من ازمة اقتصادية خانقة بحيث كان معدل البطالة فوق 15 بالمائة، وكون الدكتور شريف ايرانيا، كان يزيد من مصاعب البحث عن عمل جامعي أو علمي ببريطانيا.
ولعدة أشهر كان الدكتور شريف يقضي اوقاته جالسا في احد مقاهي شارع باتني جنوب غربي لندن، قرفصاء، وهو يفكر بما حل بوطنه وبمستقبله، وفي يوم من الايام بينما كان يساعد زوجته في مطبخه الصغير، مرت فكرة خاطفة بذهنه، وسرعان ما خرج من البيت ليشتري كمية من القمح والزبدة..
وبعد بضعة اشهر كانت المحلات والبقالات الايرانية بشارع كنزينغتون تعرض جميعا خبزا ايرانيا اسمه شريف. بحيث تحول الخبير الدكتور شريف في مجال الطاقة الذرية خبازا كان يوزع ما وصل الى خمسمائة خبز بربري ايراني في المحلات والبقالات المذكورة.
ان الدكتور شريف يعد اليوم من ابرز الاخصائيين في مجال الكومبيوتر والفيزياء ببريطانيا، بحيث لم يستغرق عمله خبازا بالبيت اكثر من سنة، وقد اكتشف بعد ذلك حقلا آخر وهو الكومبيوتر، استثمر نبوغه فيه واصبح اخصائيا بعد فترة قصيرة قضاها في احدى الجامعات. ولكن ما حصل بعد ذلك هو ايضا مثير للاهتمام بحيث بدأ الدكتور شريف يتلقى رسائل رسمية من السفارة الايرانية بلندن ومنظمة الطاقة الذرية، وكان مضمون هذه الرسائل واحدا، ايها الاستاذ الكبير، نحن بانتظار قدومكم الى الوطن الحبيب، حيث تنتظركم منظمة الطاقة الذرية بكل فخر واعتزاز!!
ـ ألم يكن مفاعل بوشهر النووي مشروعا طاغوتيا؟
هكذا سأل الدكتور شريف أحد المسؤولين بالسفارة الايرانية ذات مرة، رداً على رسالته.
وقال المسؤول، إن ما كان طاغوتيا قبل الثورة اصبح لاهوتيا الآن، ألا ترون اننا نعرض «معالم شهياد» ـ ميدان الحرية ـ كرمز لعاصمة الجمهورية الاسلامية. لقد بنى الشاه هذه المعالم من أجل احياء التراث الايراني، ونحن قد غيرنا اسمها وجعلناها اسلاميا والامر هو نفسه بالنسبة لمنظمة الطاقة الذرية ومفاعل بوشهر النووي.
وتابع الدبلوماسي الايراني حديثه قائلا: عزيزي الدكتور شريف، لقد وجدنا حلا لجميع المشاكل من المنظار الديني.. لما يدخل كافر الدين الاسلامي نقوم اولا بختانه ومن ثم نطلق عليه اسماً اسلامياً. وقد فعلنا ذلك للمنشآت والمشاريع الطاغوتية وحولناها الى منشآت ومشاريع إسلامية.
ان الدكتور شريف ينوي زيارة وطنه قريباً لمشاهدة بيته العائلي الذي حولته سياسة اسلمة ايران الى برج طويل في شارع ضيق وسط طهران. كما يرغب ان يرى بنفسه كيف تحولت المنشآت والمشاريع الطاغوتية الى المنشآت والمشاريع اللاهوتية بفضل سياسة الاسلمة.

October 26, 2003 03:49 AM






advertise at nourizadeh . com