February 26, 2004

مجلس «رستاخيز» الشاه ومجلس خامنئي

د. علي نوري زاده *
يشير امير اسد الله علم وزير بلاط محمد رضا شاه بهلوي آخر أباطرة ايران، وصديق الشاه الوحيد الذي كان جريئا في احاديثه مع الشاه، يشير في مذكراته التي تم نشرها بعد وفاته ووفاة الشاه بناء على وصيته، الى ان اسوأ يوم في حياته كان يوم فوجئ هو وجميع رجال الحكم باعلان الشاه عن حل الاحزاب السياسية في البلاد، وتشكيل حزب واحد باسم «رستاخيز» او «البعث». وعلم الذي تولى رئاسة الوزراء في احداث (10 الجوزاء) في عام 1963، التي اندلعت اثر رفض آية الله الخميني لثورة الشاه البيضاء (الاصلاح الزراعي ومنح النساء حق التصويت والترشح في الانتخابات) كان نفسه زعيما لحزب الشعب الذي لعب دور حزب الاقلية مقابل حزب الاكثرية مليون (الوطنيين)، ومن ثم حزب ايران نوين (ايران الجديدة).

ورغم ان الاحزاب في ايران، منذ الاطاحة بالزعيم الوطني الدكتور محمد مصدق، تحولت الى نواد سياسية، روادها، طالبو المناصب العليا ومن كانت صحيفة «توفيق» الساخرة، تسميهم بمنتظري الوزارة والنيابة، الا ان رجالا مثل امير اسد الله علم، كانوا يعتبرون وجود تعددية حزبية، ولو بصورة اسمية، ضمانا لبقاء النظام واستمرارية الحكم.
وفي مذكراته يذكر ان مناقشات النواب في البرلمان، كانت تقف دائما عند حدود معينة، ومن كان يتجرأ تجاوز هذه الحدود، كان سيواجه حتما غضب الشاه، غير ان النواب كانوا يستفيدون من وجود مساحة محدودة من الحرية لطرح بعض القضايا المهمة لدى المواطنين. وقرار الشاه بالغاء التعددية، ومن ثم مبادرته بتأسيس حزب، وتحذيره من ان الذين يرفضون الانضمام الى حزبه، يجب ان يأخذوا جوازات سفرهم ويغادروا البلاد، قد اسفر عن استياء وسخط المواطنين، وتوجيه انتقاداتهم الى الشاه، بينما كان النواب والوزراء ورؤساء الحكومات قبل ذلك هدفا لانتقادات الشارع.
لقد مات امير اسد الله علم في بداية عام 1979 بمرض السرطان، وتحققت بذلك امنيته بأن يموت قبل سيده الامبراطور محمد رضا بهلوي، ورغم انه لم يشهد نهاية النظام الملكي، غير ان رسالته من فراش الموت الى الشاه، والتي لم تنشر لحد الآن الا مقتطفات منها، كانت تتضمن اشارة الى حزب «رستاخيز» وخطيئة الشاه الكبرى بالغاء التعددية الحزبية. كما ان علم طالب الشاه بأن يقود بنفسه ثورة ضد رموز الفساد في عهده قبل ان تطيح به ثورة الشعب.
وما يجدر ذكره ان المسافة ما بين تشكيل الحزب الواحد في ايران، واندلاع الثورة، لم تكن اكثر من اربعة اعوام. والنواب الذين دخلوا مجلس الشورى الوطني (البرلمان) بورقة حزب «رستاخيز». اي حزب الشاه، كانوا من اوائل اركان النظام الذين انقلبوا ضد الشاه وحكمه. وكنت شاهدا على لقاء تم بين آية الله الخميني والدكتور جواد سعيد رئيس برلمان رستاخيز (حزب الشاه) بعد عودة الخميني من باريس بخمسة ايام. وقد طرح سعيد على الخميني فكرة قيام البرلمان بعزل الدكتور شابور بختيار رئيس الوزراء والغاء الحكم الملكي، ومن ثم تعيين المهندس مهدي بازركان (رئيس وزراء الخميني) رئيسا للوزراء. وفيما وافق آية الله الخميني على الفكرة، تسارعت الاحداث بحيث لم يبق امام الدكتور سعيد ونواب البرلمان وقت كاف لتطبيق مشروعهم لنقل السلطة. ولقى سعيد مصيرا داميا بحيث جرى اعدامه الى جانب المئات من رجال الدولة والجيش بأمر آية الله الخميني بعد انتصار الثورة.
ويبدو ان التاريخ يكرر نفسه، اذ ان الرئيس محمد خاتمي، قد حذر في رسالته الى آية الله علي خامنئي مرشد النظام، قبل شهرين من اجراء الانتخابات الاخيرة، حذره من مغبة اسكات الاصوات المنتقدة داخل الحكم، واوضح بأن البرلمان الذي يمثل توجهات متعددة، خير ضمان على استمرارية الحكم، بينما «المجلس الذي لا يأتي منه الا صوت التأييد والمدح والثناء، لن يكون رادعا امام حالة الغضب السائدة في مجتمعنا». و«الاصلاحيون» حسب قول خاتمي، هم خير حراس للنظام فهم همزة الوصل بين النظام والشعب لانهم يعبرون عن تمنيات ومطالب الشارع. لقد تجاهل خامنئي تحذير خاتمي هذا، كما لم يول اهمية لنداءاته اللاحقة بضرورة اجراء انتخابات حرة ونزيهة قد يكون الشعب مرتاحا لنتائجها.
وكما ان الشاه وصل الى نقطة لم يكن يرغب حتى في خروج ولو صوت انتقادي واحد من داخل البرلمان او الصحف، فإن المرشد رفض نصائح وتحذيرات خاتمي لانه لم يعد قادرا على تحمل الا صوت المديح ومقالات ممثله حسين شريعة مداري في صحيفة «كيهان»، الذي اوصله بمقالاته الى العرش (استغفر الله) ويصفه تارة بقائد الامة وتارة اخرى بأكبر عباقرة العالم واكثرهم حنكة وذكاء.
لقد حقق امنية آية الله خامنئي بتشكيل مجلس شورى ذي لون واحد بنواب مطيعين لأوامره. النواب الذين سوف يتسابقون مع بعضهم البعض في توجيه المديح اليه، غير انه ومثلما لم ينقد مجلس رستاخيز (حزب الشاه) الامبراطور محمد رضا بهلوي من ورطته عند قيام الثورة، بل مد يده لمبايعة الخميني قبل الآخرين، فان مجلس الشورى في تركيبته الجديدة (تحالف هش بين رجال الحرس والامن، ورجال الدين المتطرفين وقادة التيارات اليمينية المسيطرة على الاقتصاد، وعدد من اقارب المرشد ومستشاريه) لن يظل وفيا لسيده لفترة طويلة، خاصة ان ايران على وشك ان تشهد تطورات مثيرة، خلال الاشهر المقبلة.
وليس لدي ادنى شك بأن غلام علي حداد عادل، والد زوجة نجل آية الله خامنئي، الذي سيتولى رئاسة الدورة المقبلة للبرلمان، كونه النائب الاول لمدينة طهران، بحصوله على مائتي الف من الاصوات (حصل الدكتور محمد رضا خاتمي النائب الاول لمدينة طهران في الدورة الراهنة للبرلمان على مليون وسبعمائة صوت في انتخابات الدورة السادسة لمجلس الشورى الاسلامي)، سيكون اول من يعلن وقوفه الى جانب الشعب ومبايعته مع القائد المقبل لايران. لو حصل في ايران تحول غير متوقع، رغم انني اتوقع حصول هذا التحول قريبا.

* كاتب وصحافي إيراني إبحث في مقالات الكتاب


اضف تعليقك على هذا المقال

تعليق سابق على هذا المقال

يمكن قراءة المقالات العشر السابقة للكاتب وقراءة تعليقات القراء عليها


عــودة إلى عنــاوين مقــالات الــرأي





All Rights

February 26, 2004 11:27 AM






advertise at nourizadeh . com