May 14, 2005

هاشمي رفسنجاني.. الفستق والعمامة

لندن: علي نوري زاده (الشرق الاوسط)
يعرف عن الرئيس الايراني السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني الكثير من الصفات، غير ان الصفة الاكثر اهمية فيه هي عشقه للاعلام وللعمل الاعلامي، وهو عشق يتجسد في ظهوره كثيرا في وسائل الاعلام وفي الطريقة التي يدير بها علاقته مع الاعلام.

كما انه رجل التناقضات، فعلى رغم علاقته الوثيقة، او التي كانت وثيقة، مع المرشد الاعلى للجمهورية آية الله خامنئي والمحافظين، الا انه خلال الانتخابات الرئاسية التي جاءت بالرئيس الاصلاحي محمد خاتمي، وقف الى جانب خاتمي ضد مرشح المحافظين ناطق نوري، غير ان الصفة الاكثر لفتا للانتباه في رفسنجاني هي براجماتيته. فشعارات الثورة الاسلامية التي يعد رفسنجاني احد ابنائها تنعت اميركا بـ«الشيطان الاكبر»، غير ان من اوائل القرارات التي اتخذها رفسنجاني عندما انتخب رئيسا، هي التفاوض من تحت الطاولة مع الولايات المتحدة، بهدف فتح الطريق امام عودة العلاقات ومن ثم السماح باستثمارات اميركية في ايران والعكس. الان قرر الرجل الذي يسمى في بلاده من قبل انصاره «قائد مسيرة الاعمار» ان يعود لمنصب الرئيس الذي سبق ان شغله لفترتين من 1989 الى 1997، مستفيدا من فشل الحركة الاصلاحية في الوفاء بما تعهدت به والخيارات المحدودة امام الناخبين. فكيف سيقدم رفسنجاني، صاحب العمامة البيضاء، نفسه الى الشارع الايراني اليوم، بعد ثماني سنوات من حكم الاصلاحيين الذين جعلوا الايرانيين راغبين اكثر في المزيد من الحريات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية؟ ينتمي رفسنجاني الى أسرة متوسطة الحال، في قرية «نوق» ببلدة «بهرمان» التابعة لمدينة رفسنجان، التي تشتهر بمحصول الفستق، الذي يعد أجود أنواع الفستق الايراني. وقد ولد عام 1933 وسماه أبوه أكبر واشتهر في ما بعد بعلي أكبر، وليست أسرته من بني هاشم، ولذلك لا يلبس رفسنجاني العمامة السوداء، وقد جاء لقب هاشمي نسبة الى جده هاشم، وهو من القلائل الذين يحملون لقب هاشمي في ايران، ولا ينتسبون الى أهل بيت الرسول الاكرم صلى الله عليه وسلم، حيث معظم الذين يلقبون بالهاشمي في ايران، يرفعون نسبهم الى الرسول. أكمل رفسنجاني المدرسة الابتدائية ومقدمات العلوم الدينية في رفسنجان وكرمان، ثم شد الرحال عام 1948 الى قم ليواصل دراسته الدينية. وفي قم التحق رفسنجاني بالمدرسة الدينية الشهيرة «الفيضية»، ومن ثم «الحقاني»، حيث كان الامام الخميني من كبار مدرسيها. وكان رفسنجاني بطبيعته يعشق العمل الاعلامي وقد نجح بمعاضدة اصدقائه في اصدار نشرة باسم «مدرسة التشيع». ومع الايام تطورت الحركة الدينية التي انبثقت في قم، وكان طابعها معارضة بعض القوانين التي كان يمليها الشاه الراحل محمد رضا بهلوي على الدولة، وفي مقدمتها قانون الاصلاح الزراعي القاضي بتوزيع الاراضي الزراعية بين المزارعين والقضاء على الاقطاعيين، وايضا منح النساء حقوقهن الاجتماعية والسياسية. وكان آية الله الخميني من أشد العلماء احتجاجا على اصلاحات الشاه التي أطلق عليها عنوان «الثورة البيضاء». وفي عام 1971 اشتدت المواجهة بين الشاه والخميني، وكان رفسنجاني من أكثر أعوان الخميني تحركا ونشاطا. وفي تلك الفترة كان طلبة العلوم الدينية معفيين من الخدمة العسكرية، وهذه الميزة كانت تدفع بألوف الشبان كل سنة من المدن والارياف الى المدارس الدينية، فرارا من تجنيدهم في الخدمة العسكرية. غير ان غضب الدولة على حركة الخميني وزملائه دفعها الى ان تلغي ذلك الامتياز الخاص بطلبة المدارس الدينية وتسوق من طالته يدها الى الخدمة العسكرية. هكذا وجد رفسنجاني نفسه مجندا في معسكر «باغشاه» في طهران خلال احداث يونيو (حزيران) 1963، التي أسفرت عن اعتقال الخميني، ومن ثم نفيه الى تركيا والعراق. وقد هرب رفسنجاني بعد ذلك من المعسكر وعاش لفترة حياة سرية قام خلالها بترجمة كتاب الاستاذ اكرم زعيتر عن القضية الفلسطينية. وكان زعيتر سفيرا للاردن في ايران آنذاك. وقد لاقت الطبعة الفارسية للكتاب رواجا كبيرا لا يقل عن طبعته العربية.
ولهاشمي رفسنجاني ايضا، مؤلف ضد الاستعمار، وعن «ميرزا تقي خان أمير كبير» أحد زعماء ايران التاريخيين في القرن التاسع عشر الذي تولى منصب صدر الاعظم (رئيس الوزرا) في بداية حكم ناصر الدين شاه القاجار، ويعتبر باني ايران الحديثة. وفي 1966 انشأ رفسنجاني تنظيما سريا مؤيدا لخميني، ولكن سرعان ما اكتشفت السلطات تنظيمه وشتت أعضاءه، مما تسبب في ان ينتقل رفسنجاني من قم الى طهران، حيث أسس شركة مقاولات لبناء البيوت المتواضعة لأصحاب الموارد المحدودة شرق طهران. وقد اعتقل عدة مرات، كان آخرها عام 1978، أي قبل عام من قيام الثورة. وقد أفرج عنه الدكتور شابور بختيار زعيم الجبهة الوطنية، الذي تولى رئاسة الوزراء في الاسابيع الاخيرة لحكم الشاه. وحينما قدم الخميني الى ايران في مستهل عام 1979، كان رفسنجاني على رأس مستقبليه، ومنذ تلك اللحظة لازم رفسنجاني الخميني حتى آخر لحظة في حياته. وإلى جانب كونه عضوا في مجلس قيادة الثورة، أسس رفسنجاني الحزب الجمهوري الاسلامي، وتسلم منصب مساعد وزير الداخلية في حكومة مهدي بازركان اول حكومات ما بعد الثورة. ومن ثم انتخب رئيسا لأول برلمان اسلامي وتولى هذا المنصب لمدة عشر سنوات. وخلال الحرب الايرانية ـ العراقية، كان رفسنجاني الى جانب رئاسة البرلمان، القائد الاعلى للقوات المسلحة بالوكالة.وفيما كان الخميني على فراش الموت،قام رفسنجاني بتعديل الدستور ومن ثم انتخب رئيسا للجمهورية. وبعد وفاة الخميني مهد الطريق لإيصال شريكه في الحكم علي خامنئي الى كرسي الولي الفقيه، غير ان علاقاته مع خامنئي تميزت لاحقا بفتور شديد. وتوسعت الهوة، خاصة بعد وقوف رفسنجاني الى جانب خاتمي في انتخابات مايو (ايار) 1996، ضد نوري. ومنذ ما يزيد على ثماني سنوات يتولى رفسنجاني رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام، وهو مجلس استشاري كان الخميني قد أمر بتشكيله لحل وتسوية الخلافات المتصاعدة بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور الذي ينظر الى القوانين الصادرة عن البرلمان لمنع مرور أي قانون يخالف الدستور أو الشرع. وقد جعل رفسنجاني من المجمع مركز قوة رئيسيا في البلاد، بحيث ان مهامه على رأس المجمع لم تعد تقل عن مهام رئيس الدولة. كما انه بفضل ارتباطاته وعلاقاته الدولية ظل رقما صعبا في معادلة القوة بايران. ورفسنجاني هو الوحيد بين رجال الثورة الايرانية الذي فتح حوارا مع الاميركيين خلال اتصالات سرية اشتهرت في ما بعد بـ«إيران غيت»، في عهد الرئيس الاميركي رونالد ريغان. كما انه، حسب قول احد مستشاريه، عازم على الحوار مع الاميركيين من اجل اعادة العلاقات بين البلدين. كما ان لديه مشروعا (والكلام ما يزال لمستشاره) لتعديل الدستور وحصر سلطات الولي الفقيه. وقد تزوج رفسنجاني قبل حوالى نصف قرن من السيدة عفت مرعشي، ابنة آية الله مرعشي، من كبار علماء كرمان، وأنجبت له ثلاثة ابناء، هم محسن ومهدي وياسر، وابنتين هما فاطمة وفائزة المعروفة بشجاعتها وافكارها الليبرالية. وقد كانت فائزة عضوا في البرلمان في دورته الخامسة، بحيث نالت مكانة نائبة طهران الاولى. كما انها أسست اول صحيفة نسائية يومية باسم «زن» ـ المرأة ـ التي تم توقيفها بأمر من خامنئي، بسبب نشر مقالات وتقارير مثيرة عن حقوق المرأة والديمقراطية وضرورة تطهير الدين من جراثيم السياسة.

ولا يختلف اثنان في ايران حول ان ترشح رفسنجاني في الانتخابات قد غير الخطوط العريضة للخريطة السياسية للسنوات الاربع المقبلة. وقال مستشار الرئيس محمد خاتمي، الدكتور سعيد حجاريان في تقييمه للانتخابات الرئاسية، إن رئيس الجمهورية في السنوات الاربع المقبلة، لن يكون سوى «حاجب الدولة» في بلاط الولي الفقيه. وتابع حجاريان قائلا: ان هناك خمسة انواع، حاجب الدولة، قد يكون الرئيس المقبل واحد منها: ـ العسكري الذي سيرفع سيف ولاية الفقيه في وجه المثقفين والكتاب.

ـ الدبلوماسي الذي يحظى باحترام على الساحة الدولية، بينما ينظر اليه الشعب، باعتباره منفذا لأوامر وتعليمات الولي الفقيه.

ـ حاجب الدولة الماكر الذي يعرف شيئا عن الفن والثقافة، غير ان اختصاصه هو في الشؤون الامنية والاستخباراتية (مثل علي لاريجاني المدير السابق للاذاعة والتلفزيون).

ـ حاجب الدولة الأمي، الذي لا يميز بين الخير والشر، إنما يهمه فقط إرضاء الولى الفقيه، (مثل محمود احمدي نجاد عمدة العاصمة).

ـ أما النوع الخامس حسب حجاريان، فهو الشخص الذي يحظى باحترام النخب الفكرية ويحترم الشارع، ولكنه ضعيف في مواجهة المرشد والقوى المسيطرة على الحكم. (مثل خاتمى ومصطفى معين وزير العلوم السابق ومرشح الاصلاحيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة).

ماذا اذن عن رفسنجاني الذي يعتبر نفسه أعلى وأرفع درجة ومكانة من الولى الفقيه، يتوقع معظم المراقبين نشوب حرب علنية بين قطبي السلطة: اي خامنئي ورفسنجاني، في حالة فوز الاخير. غير ان السؤال هو هل سيتمكن رفسنجاني من الحفاظ على حد ادنى من التنسيق والوحدة مع المرشد الاعلى وفاء للعمامة البيضاء التي يرتديها، ام انه سيمضى قدما في خططه التي اعلن عن بعضها والتي تصطدم مباشرة بخامنئي من اجل ضمان تصدير الفستق الايراني الى كل مكان في العالم.

May 14, 2005 10:02 PM






advertise at nourizadeh . com