September 30, 2005

إيران .. عودة الحرارة للسياسة

لندن: علي نوري زاده
رغم ان الملايين من الايرانيين ممن قاطعوا الانتخابات الرئاسية الاخيرة او صوتوا لهاشمي رفسنجاني في الدور الثاني، ولمهدي كروبي والعميد محمد باقر قاليباف ومصطفى معين في الدور الاول للانتخابات، لم يعترفوا بفوز محمود احمدي نجاد ويشعرون بالندم لانتخابه، خاصة هؤلاء الذين لم يصوتوا من الشباب، غير ان الرجل الاكثر ندما لفوز احمدي نجاد الآن، ويا لها من مفاجأة، هو أستاذه وسبب فوزه المرشد آية الله خامنئي. فلماذا يشعر خامنئي بالندم، وما هي تركيبة السلطة في طهران بعد انتخاب احمدي نجاد؟، وهل سيطرة المحافظين باطيافهم على كل مؤسسات الحكم تعني تطابق مواقفهم والأهم مصالحهم، ام ان تيارات المحافظين تتنازع فيها بينها مصلحيا وآيديولوجيا، خاصة حول تحرير التجارة والعلاقات مع الخارج والملف النووي. فهل عادت الحرارة للسياسة الايرانية بعد خروج نجمها الرئيس السابق محمد خاتمي؟

اولا على حد قول حجة الإسلام سيد محمود صالحي، وهو أحد رجال الدين الاصلاحيين في قم، فان خامنئي كان يأمل ان يؤدي انتخاب احمدي نجاد، الى نهاية للسنوات الصعبة التي كان للحكم فيها رأسان هما مؤسسة الرئاسة وولاية الفقيه. فرفسنجاني عندما كان رئيسا كان مقتدرا ولم يول اهمية للاجهزة التابعة لخامنئي، كما مارس دوره بقوة وتصدى طوال سنوات رئاسته بحزم لتدخلات المرشد في الشأن التنفيذي للبلاد. اما خاتمي وبرغم طبيعته المسالمة وعدم تجاوبه مع مساعي انصاره وزملائه الاصلاحيين لوضع حد لتدخلات المرشد وأجهزته في الشؤون التنفيذية والتشريعية والقضائية، وصمته حيال الانتهاك المستمر للحريات القانونية لاسيما في ميدان الإعلام والثقافة، فإنه لم يتمكن من كسب ثقة المرشد بسبب ميوله الاصلاحية الكبيرة. كما كانت شعبية خاتمي ومكانته الثقافية والفكرية بين المثقفين فضلا عن الاحترام الكبير الذي ناله في المجتمع الدولي، من اسباب عدم ارتياح خامنئي حيال خاتمي.

فى ظل هذه التجارب مع مؤسسة الرئاسة، اختار المرشد دعم أحمدي نجاد على امل ان يضمن ان تصبح مؤسسة الولي الفقيه بحق المؤسسة الاولى في البلاد من دون أي تحد من الرئاسة. لكن كيف بدأت آمال خامنئي تخيب واحمدي نجاد لم يتول الحكم، الا قبل أسابيع قليلة. بدأت الخيبة، عندما علم المرشد ان احمدي نجاد ينوي اطلاق مشروع باسم «مشروع الوداد والتعاطف بين اهل الدنيا» تقليدا لمبادرة خاتمي «الحوار بين الحضارات» من على منبر الأمم المتحدة، فما كان من خامنئي إلا الامر بسحب المشروع، مؤكدا لأحمدي نجاد عندما استقبله عشية سفره الى نيويورك بانه ليس «خاتميا»، وأن ذهابه الى نيويورك ليس من اجل تسويق مشروعه بل لشرح الموقف الايراني ـ في قضية الملف النووي ـ وتبريره والسعي الى كسب العدد الاكبر من أصوات الدول الاعضاء في مجلس أمناء وكالة الطاقة الذرية. ومبرر خيبة خامنئي، انه كان يعتقد ان وصول احمدي نجاد وحلفائه والذين ساندوه خلال الانتخابات الى سدة الرئاسة، في وقت متزامن مع طرد الاصلاحيين والقوى الوطنية والليبرالية من جميع مراكز القرار والجامعات والإعلام، سيوفر له امكانية فرض ارادته وآرائه واطروحاته على رجال الحكم وتحقيق حلمه بتغيير نظام الجمهورية المنتخبة الى حكومة دينية مصدر شرعيتها إمام الزمان (المهدي المنتظر) وليس الشعب كما يصر الاصلاحيون والليبراليون، ولذا فوجئ المرشد بعد اسبوع من تسلم احمدي نجاد الرئاسة، برفضه إسناد وزارة الخارجية الى كبير مستشاري المرشد وزير الخارجية السابق الدكتور علي اكبر ولايتي بذريعة انه سبق ان وعد منوتشر متقي بالوزارة، وان الاغلبية المحافظة المناهضة للاصلاحات والمتحالفة معها، حذرت من تسمية أي شخص سوى متقى وزيرا للخارجية. ورغم ان خامنئي تمكن من فرض رغباته على التشكيلة الوزارية الى درجة ما بإدراج اسماء مرشحين (ما عدا ولايتي)، ومن بينهم مصطفى بور محمدي لوزارة الداخلية، ومحسني اجدئي لوزارة الاستخبارات، ومصطفى محمد نجار لوزارة الدفاع، وكريمي راد لوزارة العدل، غير ان الحرس الثوري استطاع بفضل لعبته الذكية من السيطرة على خمس من الوزارات الاساسية من جهة، وإسقاط اربعة من اقرب رجال احمدي نجاد بعدم منحهم الثقة بالبرلمان.

وبنظرة عابرة، تبدو تركيبة التشكيلية الحكومة الحالية تركيبة متجانسة ووزراء بلون واحد، غير ان الحقيقة هي غير ذلك، اذ ان هناك اربع مجموعات؛ لكل منها هوية سياسية معينة رغم ان خطابها يبدو احيانا قريب المضمون او التوجه. كما ان اجندة كل من المجموعات الاربع المتمسكة بالحكم حاليا تختلف عن أخرى. فما هي هذه المجموعات ومن يمثلها في الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية؟

المجموعة الأولى من مجموعات الحكم، مجموعة المرشد. ويتزعم هذه المجموعة في الحكومة مصطفى بور محمدي نائب وزير الاستخبارات السابق ومستشار خامنئي لشؤون الأمن. وتضم كلا من وزير الاستخبارات محسن اجدئي، ووزير الدفاع مصطفى محمد نجار ـ الذي له ارتباطات مهنية مع مجموعة الحرس الثورى، وحسين صغار هرندي وزير الارشاد. وكريمي راد وزير العدل. وتدعى هذه المجموعة «فريق الاستخبارات الموازية» ولها امتدادات في الاذاعة والتلفزيون عبر العميد غفور دره جزي من مساعدي العميد عزت ضرغامي المسؤول عن صوت ايران وصورتها. المجموعة الثانية، مجموعة اليمين التقليدي. رغم ان هذه المجموعة أدت دورا مهما في افشال مشروع خاتمي الاصلاحي، غير ان نصيبها من كعكة الحكم الجديد كان اقل من طموحاتها، بحيث حصلت على وزارتين (العلوم والاسكان) غير ان امتداداتها في البرلمان (تكتل المؤتلفة الاسلامية ورابطة المهندسين الاسلاميين وتنظيم «رسالت»)، ومجلس ائمة الجمعة والمؤسسات الاقتصادية والبازار تجعلها احد الرئيسيين في السلطة. المجموعة الثالثة، مجموعة الحرس الثورى. تضم هذه المجموعة 6 من الوزراء وهي متحالفة مع المحافظين الجدد (تكتل ابادغران وايفارغران في البرلمان). كما ان الدكتور علي لاريجاني امين عام المجلس الاعلى للامن القومي الذي ينتمى فكريا الى اليمين التقليدي، دخل في حلف تكتيكي مع هذه المجموعة بحيث اختار العميد محمد باقر ذو القدر النائب السابق لقائد الحرس الثوري، مساعدا له في مجلس الامن القومي. المجموعة الرابعة، مجموعة آية الله محمد تقي مصباح يزدي. ويعتبر مصباح يزدي مرشدا روحيا للرئيس احمدي نجاد وفريقه الخاص في الحكم. كما ان مصباح من اركان تنظيم الـ«حجتية» اليمينية الشيعية المتطرفة. . ورغم ان مصباح يزدي منبوذ ومكروه بين كبار رجال الدين في قم فضلا عن شكوك خامنئي حيال توجهاته واهدافه. إلا انه تمكن من بناء قاعدة موسعة بين اهل الحكم كون احمدي نجاد تلميذا مطيعا له، ورئيس المجلس البلدي مهدي تشمران من أتباعه.

ما الذى يعنيه هذا؟ يعني ان الذين كانوا يعتقدون ان السياسة الايرانية ستخسر حرارتها وجاذبيتها بسبب سيطرة المحافظين بكل اطيافهم على مؤسسات السلطة، مخطئون تماما، فالانتماء الى تيار آيديولوجي واحد، لا يعني تطابق المصالح ولا انتهاء التنافس والصراع، بل يعني ان الخلافات ستأخذ شكلا جديدا، ولكن على صفحات الجرائد كل يوم، كما كانت الخلافات بين الاصلاحيين والمحافظين، بل داخل الغرف المغلقة.

September 30, 2005 12:34 AM






advertise at nourizadeh . com