January 20, 2006

القوات العسكرية الإيرانية لديها نقاط قوة وضعف والنخبة العسكرية منقسمة إزاء المواجهة الحالية

خيارات إيران
لندن: علي نوري زادة (الشرق الاوسط)
احتدام الخلافات بين ايران والمجتمع الدولى حول برنامجها النووي، يفتح المنطقة امام سيناريوهات تصعيد مختلفة الدرجات، بدءا من سيناريوهات العقوبات الاقتصادية، بكل اشكالها وانتهاء بضربات «انتقائية» او «جراحية» ضد بعض المواقع النووية. واذا كانت الكثير من البلدان الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية تدرس خياراتها، فإن ايران بدورها تستعد لمواجهة التطورات، سواء العسكرية او الاقتصادية. فما هى استعدادات طهران كما تراها النخبة العسكرية الايرانية؟

قبل نحو ثلاثة اسابيع، تحدث القائد العام لقوات الحرس الثوري الايراني اللواء يحيى رحيم صفوي بشكل صريح لاول مرة عن استعدادات تجرى في صفوف القوات المسلحة الايرانية لمواجهة اي عمل عسكري. كما حذر رحيم صفوي المعارضة الايرانية بمختلف اتجاهاتها من مغبة القيام بأي عمل ضد النظام في هذه الايام «الحساسة». وقبل تحذيرات رحيم صفوي بحوالي شهر، انهت القوات البحرية الايرانية بمساعدة القوات الجوية المرحلة الاخيرة لمناورة «عشاق الولاية» التي تضمنت عمليات برمائية وانزال جوي فضلا عن تمارين لضرب الاهداف القصيرة والمتوسطة المدى (تصل اسرائيل) بصواريخ ارض ـ ارض، وتدمير منشآت العدو المفترض النفطية والعسكرية والأمنية، وهو ما يؤكد ان ايران بدأت فعلا بتعبئة قواتها الذاتية وتجنيد امكانياتها العسكرية لمرحلة المواجهة المحتملة، علما ان هناك العديد من المسؤولين الايرانيين ممن يعتبرون المواجهة حتمية والضربة ستأتي آجلا ام عاجلا.
وفيما تدرس مراكز الدراسات المعنية بالحروب في الولايات المتحدة والدول الاوروبية جنبا الى جنب مع المؤسسات العسكرية والحكومية في الغرب، احتمالات نشوب الحرب بين ايران واسرائيل، او ايران والولايات المتحدة، فان ثمة مراكز في ايران باتت منشغلة بموضوع احتمالات الحرب بين ايران والولايات المتحدة، وأحد هذه المراكز هو «مركز الدراسات الدفاعية والاستراتيجية» التابع للحرس الثوري الذي اقام قبل اسابيع ندوة مغلقة لكبار باحثيه بعضهم من الضباط القدامى في الجيش والحرس. وقد شهدت الندوة نقاشات ساخنة بين بعض المشاركين بحيث كان هناك اتجاه يدعو للتعبئة الشاملة في البلاد لمواجهة الحرب القادمة فيما كان التوجه الآخر يعتقد بأن الولايات المتحدة لن توجه ضربة عسكرية الى ايران كما ان انزال الجيش الاميركي في الاراضي الايرانية مستحيل. وعن الخيارات المطروحة امام اميركا، يقول مصدر عسكري ان اميركا لديها ثلاثة خيارات مطروحة على بساط النقاش:

الاول: ان تقوم اسرائيل بدعم لوجيستي من قبل اميركا وحلفائها بضرب مفاعل بوشهر النووي شمال طهران، و8 اهداف نووية وعسكرية جنوب ووسط ايران، وفي حالة حصول ذلك فإن امام ايران ايضا ثلاثة خيارات: أ ـ الرد على الضربة الاسرائيلية بتوجيه صواريخ «شهاب 3»، نحو اسرائيل، لكن مؤيدي هذا الخيار بين قياديي الجيش والحرس عددهم ضئيل جدا نتيجة للردود الاسرائيلية المحتملة. غير ان مؤيدي هذا الخيار يشيرون الى ان ضرب ولو الف هدف داخل ايران من قبل الطائرات الاسرائيلية وصواريخها ستكون اضراره اقل من ضرب خمسة اهداف اسرائيلية من قبل الصواريخ الايرانية.

ب ـ توجيه ضربات الى اسرائيل واستخدام الانتحاريين بصورة غير مباشرة اي بواسطة «حزب الله» في لبنان و«الجهاد الاسلامي» في فلسطين فضلا عن تجنيد القوى الثورية المرتبطة بايران في المنطقة لتوجيهه ضربات الى المصالح الاميركية في المنطقة. اما الخيار الاميركى الثانى فهو ان تأتي الضربة مباشرة من قبل الولايات المتحدة، عندئذ أمام ايران خياران:

أ ـ توجيه ضربات صاروخية الى المنشآت العسكرية الاميركية في المنطقة، واغلاق مضيق هرمز، وايقاف عملية تصدير النفط. ب ـ شن عمليات عسكرية واسعة ضد المنشآت العسكرية والاقتصادية في المنطقة (اميركية، غربية وعربية) وتوجيه صواريخ «شهاب 3» برؤوس تقليدية الى اسرائيل (اكثر من 130 صاروخ متوسط وبعيد المدى موجهة في الوقت الحاضر من قواعد ومنصات ثابتة باتجاه المنشآت والقواعد الاقتصادية والعسكرية في الدول المجاورة على شاطئ الخليج).

اما عن موقف الطبقة السياسية الايرانية من هذا الخيار، فيذكر ان الرئيس الايرانى محمود احمدي نجاد وقيادات متشددة في الباسيدج والحرس الثوري وأجهزة الأمن لاسيما تلامذة الشيخ محمد تقي مصباح يزدي المرشد الروحي للرئيس الايراني، يؤيدون خيار العمليات الشاملة بل ان منهم من يدعون لحملات استباقية. وقد قال احد هؤلاء وهو ضابط في فيلق القدس يدعو ابراهيمي أخيرا «علينا تنفيذ مائة عملية انتحارية في وقت واحد مع توجيه مائة صاروخ الى اسرائيل والقواعد الاميركية في قطر والعراق وبعض المنشآت النفطية والاقتصادية في المنطقة قبل تعرضنا للضرب، فهكذا سنجعل اميركا وحلفاءها مشلولين، ولو قامت واشنطن بتوجيه ضربات مدمرة إلينا بعد ذلك، فإننا نستطيع من اثارة مائة انتفاضة شعبية في البلدان الاسلامية». لكن هل تتمكن القوات الايرانية من توجيه ضربات تحقق اهدافها؟ وهل تستطيع الصمود في مواجهة طويلة نوعا؟ الاجابة تحتم التطرق الى حجم القوة العسكرية الايرانية. نظرة الى الاحصائيات المتوفرة عن حجم وتسليح القوات المسلحة الايرانية تكشف ان الايرانيين قد تمكنوا منذ انتهاء الحرب الايرانية العراقية من تحقيق انجازات مهمة في مجال الصناعات الحربية، لاسيما في مجال انتاج مختلف انواع الصواريخ، كما ان القوات البرية للجيش والحرس، استطاعت بفضل تحديث مخزونها من السلاح والتدريب الجيد من رفع قدراتها الدفاعية والهجومية، بينما قواتها الجوية والبحرية تعاني كثيرا من الخطر المفروض على قطع الغيار والمعدات ناهيك عن الطائرات والسفن الحربية من قبل دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. علما ان 70% من الطائرات والسفن الحربية الايرانية هي من انتاج الدول المذكورة. وفيما يلي نظرة سريعة الى مختلف صفوف القوات المسلحة الايرانية ومعداتها:

أ ـ الجيش النظامي والقوات البرية يبلغ عدد المنتسبين الى القوات البرية حوالي 260.000 جندي وضابط اكثر من الف منهم من الجنود وضباط الصف والباقي من الجنود والضباط المجندين تحت خدمة العلم. وتتألق القوات البرية من 4 فيالق كل فيلق لديه قيادة مركزية تشرف على منطقتين عسكريتين وتضم الفيالق الاربعة 11 فرقة مدرعة ومشاة وخاصة، اما بالنسبة للصواريخ المضادة للجو والراجمات الصاروخية وصواريخ ارض ارض، فيمكن القول ان القوات البرية الايرانية قد وصلت الى مستوى عال بحيث لديها ما لا يقل عن ثماني منظومات صاروخية مضادة للجو ذات التحكم الإلكتروني من البعد من طراز HQ2J.

2 ـ القوات الجوية الايرانية لعبت القوات الجوية الايرانية دورا مهما خلال الحرب مع العراق في ضرب المنشآت العسكرية والصناعية العراقية، وهى تعاني اليوم من نقص كبير في الطائرات المقاتلة والصواريخ الموجهة من الجو، رغم انها انفقت حوالي ملياري الى ثلاثة مليارات دولار في العام الماضي فقط لشراء الطائرات والمعدات الحديثة من روسيا واوكرانيا والصين. 3 ـ القوات البحرية النظامية يبلغ عدد منتسبي القوات البحرية حوالي 22 الفا من الضباط والجنود منتشرين في ثماني قواعد بحرية كبرى و14 قاعدة ثانوية على طول الخليج وبحر عمان وبحر قزوين ورغم شراؤها غواصات روسية من طراز كيلو بعد الحرب وحصولها على سفن حربية وزوارق حاملة للصواريخ من الصين وروسيا، وكما وضح فان القوات الايرانية لديها نقاط قوى ونقاط ضعف، فما هى خيارات طهران العسكرية ؟ إن النقص الذي تعانى منه القوات المسلحة الايرانية في الجو وفي البحر، هو عامل رئيسي في معارضة العديد من القادة العسكريين (ومنهم اللواء احمد كاظمي قائد قوات الحرس البرية الذي قتل في الاسبوع الماضي برفقة ثمانية من مساعديه في سقوط طائرة فالكون عسكرية في ارومية) لأية مواجهة مع الولايات المتحدة بدرجة ان عددا من كبار قادة الحرس بعثوا برسالة قبل اسبوعين الى المرشد الاعلى اية الله خامنئي حذروا فيها من مغبة خطوات احمدي نجاد وتصريحاته الداعية الى المواجهة وامحاء اسرائيل من الخريطة، مؤكدين ان ايران ليست في وضع يسمح لها بدخول الحرب مع الولايات المتحدة. ورغم ذلك فان احمدي نجاد وبعض العسكريين من مستشاريه يعتقدون بأن المواجهة ستأتي لا محالة، ولابد من رفع الاستعداد اولا ومن ثم تعبئة الرأي العام الداخلي والاسلامي والعربي، ومن الاجراءات التي تم اتخاذها أخيرا في اطار رفع الاستعداد تشكيل «وحدات عشاق الشهادة» (الانتحاريين) من الشبان الايرانيين ومتطوعين من الدول العربية والاسلامية المجاورة لايران ممن يخضعون لتدريبات عسكرية وايديولوجية في معسكرات الحرس.

وتتفق معظم المصادر الايرانية على أن العقوبات الاقتصادية بشكل عام، وعلى غرار العقوبات التي فرضها مجلس الأمن ضد ليبيا والعراق ويوغسلافيا بشكل خاص، لن تكون سلاحا مؤثرا ضد ايران، لأنه سيعاني منها أولا الشعب الايراني. وثانيا لأن هناك العديد من الدول مستعدة لتزويد ايران بما تحتاجه، ولو بشكل غير شرعى، لتحقيق مكاسب مادية وسياسية. ويقول المحللون ان السلاح الوحيد القادر على الإضرار بإيران هو البنزين Petrol، حيث تستورد ايران حاليا 60% من حاجاتها من البنزين والنفط المصفى من الخارج نظرا لقلة عدد المصافي في البلاد وازدياد حجم الاستهلاك المحلي يوما بعد يوم، بحيث يبلغ حجم البنزين المستهلك يوميا أكثر من 60 مليون لتر. ووفقا لدراسة أعدها مركز دراسات الطاقة في ايران، فإن مخزون (احتياطي) ايران من البنزين يكفي فقط لتغطية طلبات المستهلك الايراني من الافراد والمؤسسات لأقل من 45 يوما. وفي حالة فرض حظر على بيع البنزين الى ايران من قبل مجلس الامن، فإنه في فترة لن تزيد عن ثلاثة شهور، ستواجه ايران شللا في مختلف مجالات الحياة، وعندئذ، من المحتمل قيام مظاهرات ومسيرات شعبية على غرار ما حصل في يوغسلافيا السابقة وأوكرانيا وجورجيا. وفي الشهر الماضي، وفي جلسة خاصة لمجلس الشيوخ الاميركي حول برامج ايران النووية، اقترح أحد النواب، البحث حول آثار حظر البنزين على ايران، ما يدل على ان واشنطن باتت هي ايض ا تدرس هذا الخيار.

إلى ذلك، فإن ايران قد اتخذت سلسلة من القرارات مثل سحب أرصدتها من المصارف الاوروبية، وتخزين كميات هائلة من المواد الغذائية والأدوية كإجراءات تمهيدية ووقائية أمام احتمال نقل ملفها الى مجلس الأمن وفرض العقوبات عليها. وما زال هناك بعض الأمل، بأن يأتي حلا ما للأزمة الراهنة من وراء الستار، ومن خلال المباحثات غير المعلنة بين عقلاء النظام وعقلاء الاتحاد الاوروبي والوكالة الدولية للطاقة.



January 20, 2006 11:27 AM






advertise at nourizadeh . com