February 17, 2006

شاه رفت .. إمام آمد

ساحة «شهياد» تحولت من رمز للشاه إلى عنوان لعودة الخميني إلى إيران
لندن: علي نوري زاده
في هذا الميدان ميدان «شهياد» احتفل شاه ايران بالذكرى 2500 لقيام الامبراطورية الفارسية، وفي الميدان نفسه، ولكن تحت اسم آخر وهو «ازادي» احتفل مئات الآلاف من الايرانيين هذا الأسبوع بالذكري الـ27 لقيام الثورة الايرانية. فما هي حكاية هذا الميدان ولماذا ظل رمزا حاضرا في احتفالات الايرانيين, وكيف استقبلت الصحافة الإيرانية عودة الخميني وخروج الشاه 1979 وكيف يتذكر رفاق الخميني رحلة الثورة? ميدان «شيهاد» الجميل المعمار شيد باقتراح من مستشار الشاه الاول امير اسد الله علم. وهو بعدما قدم الاقتراح، قدم معه احد ابرز اساتذة العمارة في ايران مشروعا الى الشاه لبناء هذا الميدان، وهو عبارة عن بوابة عظيمة في طريق مطار «مهر آباد» الدولي الي العاصمة طهران.

. وساعتها تم الاتفاق علي ان يطلق على الميدان اسم «شهياد» أي «ذكرى الشاه». لقد قوبل المشروع والرسم المفترض للبوابة بإعجاب وتحسين الشاه والشهبانو فرح، فهي نفسها معمارية درست في فرنسا.
وقد بدأ بناء البوابة التي هي مريحة للنظر في مظهرها، باستلهام اسلوب العمارة الصفوية (نسبة الى عهد الملوك الصفويين الذين بنوا المئات من المساجد والقصور والمعالم التاريخية)، وهي ما زالت مدرسة مؤثرة وحاضرة في العمارة الايرانية المعاصرة مع الزخرفة والمنمنمات والسيراميك ذي الالوان والنقوش الايرانية الاسلامية. وقد استغرق بناء البوابة حوالي 18 شهرا وتم افتتاحها بعد وصول ضيوف الشاه الكبار في مهرجانات برسبوليس بحوالي عام واحد، غير ان المشاركين في الالعاب الآسيوية التي استضافتها طهران بعد عامين من مهرجانات برسبوليس ابدوا اعجابهم بنيابة «شهياد» المكونة من خمسة طوابق ومتحف تحت الارض حولته فرح بهلوي الي متحف للفنون الاثرية والرسوم. ومعرض للوحات الرسامين الكبار. وكانت شركة طيران الوطن «ايران ار» تنظم زيارة قصيرة لمسافري الترانزيت في مطار مهر آباد المتجهين عبر طهران الى شرق آسيا والولايات المتحدة، عن بناية شهياد ومتحفها، يوميا، بينما تحولت البناية والساحة الكبيرة المحيطة بها الي متنزه لاهالي العاصمة. لكن ومع انطلاق الشرارة الاولي للثورة، تغيرت ملامح «شهياد»، بحيث باتت ملتقى للمسيرات والمظاهرات المناهضة للشاه. ويوم عودة الامام الخميني الي طهران شهدت ساحة «شهياد» اضخم اجتماع بشري في تاريخ ايران، بحيث بلغ عدد المستقبلين في الساحة نفسها، حسب تقديرات الصحف اكثر من نصف مليون من سكان طهران. وبعد انتصار الثورة تم استبدال اسم «شهياد» او بوابة طهران الغربية الى «ساحة الحرية»، لكن المثير جدا للانتباه ان الثورة ورجالها، اخلوا من الذاكرة ان هذا الميدان، انشأه الشاة كرمز لقوته وسطوته، حتى بات الآن رمزا للثورة الايرانية، اذ تجري فيه مناورات القوات المسلحة في اعياد الثورة، كما ان الحفلات الدينية الكبري والمظاهرات التي يقيمها النظام لأغراض سياسية خاصة، تنطلق عادة من ساحة الحرية. وخلال الثورة كانت جدران بناية شهياد مكانا لنصب اللافتات والبيانات المناهضة للشاه، والداعية للحرية، اما اليوم فان نصب أي بيان على جدران البناية، سيكلف الشخص ثلاثين جلدة. وكان «شاه رفت» ـ أي ذهب الشاه ـ اكبر مانشيت شهدته الصحافة الايرانية منذ تأسيس اول صحيفة «وقائع اتفاقية» قبل قرنين، يوم رحيل شاه ايران.

أما صحيفة «اطلاعات» الواسعة الانتشار ومنافستها «كيهان» والصحيفة الصباحية «آينديغان» ـ المستقبل ـ قد أبرزت مانشيت «شاه رفت» في صدر صحفاتها الاولى غير ان مانشيت «اطلاعات» كان اكبر حجما واثارة بسبب ذكر كلمة الشاه. فقبل العشرين من يناير (كانون الثاني) عام 1979، لم يكن مسموحا ذكر كلمة «الشاه»، والكلمة باتت مهجورة منذ عودة الشاه المظفرة من روما في يوليو (تموز) 1952 عقب الثورة المضادة التي اطاحت رئيس وزراء ايران الدكتور محمد مصدق، اذ بعدها صار اسم الشاه «الشاهنشاه» أي ملك الملوك. ثم نال لقب «آريامهر» أي «الشمس الاولى» عقب احتفال الذكرى الـ2500 لقيام الامبراطورية الايرانية.

وخلال ترتيبات اعداد الشاه لمغادرة البلاد، كان الدكتور شابور بختيار رئيس الوزراء آنذاك (الذي اغتيل في باريس على ايدي عملاء الاستخبارات الايرانية في منفاه بباريس في العام 1992) يدافع عن برامج حكومته في مجلس الشورى الوطني (البرلمان) وهو قد طالب الشاه بتأجيل ساعة سفره الى ما بعد مصادقة البرلمان على برامج حكومته ونيله الثقة من النواب. وحسبما اورده بختيار في كتابه «اخلاص» فانه كان يخاف من ان لا يمنحه البرلمان الثقة ومن ثم يتدخل الجيش ويسقط حكومته ويقيم حكما عسكريا في البلاد.

غير ان الشاه كان يرغب في مغادرة البلاد بسرعة. أملا منه في ان يعيد ذهابه الوضع إلى طبيعته. واخيرا وصل بختيار برفقة جواد سعيد رئيس البرلمان (الذي اعدم بعد الثورة) الى المطار. ومراسيم الوداع لم تستغرق اكثر من عشرين دقيقة ومن ثم صعد الشاه ومن بعده الشهبانو فرح سلم الطائرة وكاميرات المصورين التقطت وجه الشاه الباكي ووجه زوجته.

وبإذاعة خبر خروج الشاه من البلاد اقيمت في طهران والمدن الكبيرة مسيرات الفرح والابتهاج، فيما توجهت المئات من الشبان الثوريين، ونواة الحرس الثوري فيما بعد، الى الساحات والميادين التي كانت مجسمات الشاه ووالده مرفوعة فيها لاسقاط رموز عهد البهلوي الاول والثاني. ولما اتصل قائد الشرطة الجنرال رحيمي (اعدم بعد ثلاثة ايام من انتصار الخميني) بالدكتور شابور بختيار سائلا اياه ماذا افعل بمن يسيئون الى صور ومجسمات وتماثيل الشاه، ووالده، قال بختيار {لا شيء، باستطاعتنا ان نقيم تماثيل من جديد ولكننا لن نستطيع احياء من يقتل برصاصكم}.

وما مضى على رحيل الشاه اكثر من ساعة حتى ظهرت الصحف المسائية بعنوان كبير «شاه رفت» ـ ذهب الشاه ـ وبعد عشرة ايام فقط وفي مهرجان جماهيري لم تشهد طهران مثله من قبل، عاد الخميني الى البلاد وسط حشود مليونية امتدت مسيرتها من المطار الى مقبرة جنة الزهراء حيث ألقى الخميني خطابه المعروف الذي وعد خلاله بإقامة نظام ديمقراطي.

وما يجدر ذكره انه كما نشرت الصحف خبر رحيل الشاه بأكبر مانشيتات متواجدة لديها فانها اختارت نفس الحروف الكبير لاعلان عودة الخميني «امام آمد» ـ أي عاد الامام.

وحينما يتذكر الحسن بني صدر أول رئيس إيراني بعد الثورة الماضي يساوره الحزن. غير انه لا يزال يعيش بآماله بالعودة الى وطنه. ويقول بني صدر لـ«الشرق الاوسط» «لقد كان خاتمي يضع الماكياج على وجه النظام. فيما احمدي نجاد يمثل الوجه الحقيقي للنظام. والشعب يري اليوم النظام بكامله في سلوكيات احمدي نجاد وخطبه وشعاراته». اما آية الله حسين علي منتظري خليفة الخميني المعزول والشخصية الثانية للثورة، فيعيش الآن في وضع قريب من الاقامة الجبرية ببيته في قم بحيث هو محاصر بين العشرات من رجال الحرس والأمن الذين يطوقون بيته من مختلف الجهات. ومنذ عدة سنين وعقب تعرض منتظري لهجوم انصار حزب الله ورجال الامن وتحطيم بيته ومكتبه ومدرسته، واسنانه من قبل قائد الامن في قم، لا يغادر المرجع الكبير بيته، ورغم انه يستقبل حاليا بعض تلامذته ومحبيه، بين الحين والآخر، غير ان المصائب لا تزال تنتظر كل من يتجرأ ويذهب لزيارته، من استدعاه الى محكمة رجال الدين. او استخبارات الحرس ووزارة الامن، وحبسه ومحاكمته.



February 17, 2006 06:18 PM






advertise at nourizadeh . com