March 05, 2006

شهرعسل الصحف الحرة كان قصيراً في عهد الخميني.. وأقصر في عهد خامنئي

توقيف العشرات من الصحف والمجلات في ليلة واحدة
لندن: علي نوري زاده
حكم في الأسبوع الماضي على صحافي إيراني إصلاحي بالسجن 18 شهرا مع وقف التنفيذ بتهمة «التحريض على النظام»، بحسب ما ذكرت صحيفة «اعتماد» التي يعمل فيها الصحافي أمس. وأدين ناشر الصحيفة الياس حضرتي، 44 عاما، بتهمة «تشجيع الناس داخل ايران وخارجها للعمل ضد امن الجمهورية الإيرانية وسمعتها ومصالحها»، و«تشويش الرأي العام». ووجهت إليه تلك الاتهامات بسبب مقالات نشرها عام 2005 شكك في اثنين منها في إجراءات المصادقة على المرشحين الانتخابيين واحتج على إنزال حكم الإعدام بالشنق على هاشم اغاجاري، حسب الصحيفة الإصلاحية. وكان القضاء الايراني اغلق عشرات الصحف الموالية للاصلاحيين منذ العام 2000.

ولعلاقة السلطة بالصحافة في إيران تاريخ طويل يعود إلى السبعينات من القرن الماضي. فبعد بضعة أيام من وصول الإمام الخميني إلى باريس، أواخر عام 1978، استقبل قائد الثورة الإيرانية عدداً من الصحافيين الإيرانيين المضربين عن العمل احتجاجاً على اعتقال بعض زملائهم من قِبل حكومة الجنرال غلام رضا أزهاري العسكرية في طهران، وفرض الأحكام العُرفية على الصحف. وكان كل من الدكتور إبراهيم يزدي (وزير الخارجية في ما بعد، وزعيم حركة الحرية المعارضة حالياً)، وصادق قطب زاده (وزير الخارجية ومدير الإذاعة والتلفزيون بعد الثورة، الذي جرى إعدامه بأمر الخميني بتهمة الضلوع في مخطط لقلب نظام الحكم)، وأبو الحسن بني صدر (أول رئيس جمهورية لإيران، الذي تم عزله بقرار من البرلمان ويقيم منفياً ومعارضاً اليوم في باريس)، كان ثلاثتهم موجودين في اللقاء.

وكما كان متوقعاً فإن أوّل سؤال وجّهه أحد الصحافيين الذين وصلوا إلى باريس من طهران قبل بضع ساعات من لقائهم مع الخميني، كان حول مدى التزام الخميني والحكم الذي ينوي إقامته في إيران تجاه حرية الصحف والتعبير؟.. وقد جاء ردّ الخميني متطابقاً مع ما سبق أن أكدّه مستشاروه الثلاثة، أي يزدي وقطب زاده وبني صدر، للصحافيين المذكورين «لن تكون هناك في نظامنا الرقابة، والكل قادرون على أن يكتبوا بما يشاءون، غير أنني أدعوهم من الآن أن يكونوا أحراراً وأن يراعوا الحساسيات الأخلاقية والدينية والاجتماعية». عندئذ سأل صحافي شاب «أليس ذلك ـ مراعاة الحساسيات ـ نفسه نوعاً من الرقابة النفسية، بل أليس ذلك أكثر خطراً على حرية التعبير والصحافة من الرقابة المباشرة؟»..

بدلاً من أن يرد الخميني على هذه الملاحظة، قفز قطب زاده بتصريحه وسط النقاش، فقال: أنتم الآن في فرنسا، بلد الحريات، بلد الثورة الكبرى، فإن كتبتم اليوم مقالاً حول حسنات الفاشية ونفيتم فيه المجازر البشعة التي حصلت لليهود خلال الحرب العالمية الثانية، فإنّ المدّعي العام لن يقوم بتوقيف صحيفتكم فحسب، بل إنه سيأمر باعتقالكم ومحاكمتم. وبدا أن الخميني قد أُعجب برد قطب زاده بحيث قال إن القانون لدينا مأخوذ من الشرع بحيث سيحكم القانون فقط، وليس التفضيلات الشخصية والانتماءات الحزبية والفئوية على تعاملنا مع وسائل الإعلام. إنه من الطبيعي أن نعترض على مَن يسيء إلى مقدساتنا، لكن لن نعامله كما تعامل معكم نظام الشاه.

عاد الإمام إلى طهران واستقبلته الصحف بأكبر مانشيتاتها، وعبارات الترحيب والمديح «للملك الذي دخل بخروج الشيطان»، أخذت مكانها في صدر صفحات الصحف التي كانت تصدر من دون رقابة مباشرة، غير أن لكل منها حسب انتماء المشرفين عليها، كانت هناك خطوط حمراء يجب عدم تجاوزها. وصحيفة «كيهان» التي كانت تخضع لهيمنة اليساريين ورئيس تحريرها رحمان هاتفي كان من كبار قادة الحزب الشيوعي الإيراني «توده» (تم إعدامه بعد اكتشاف خلايا الحزب الشيوعي في الجيش)، كان من الممنوع فيها، نشر أي انتقاد للاتحاد السوفياتي أو حزب «توده» الشيوعي، كما كانت الصحيفة ووفقاً لتوجه الحزب الشيوعي آنذاك، تبرز في صدر عناوينها تصريحات الخميني ورجال الدين الثوريين ضد أميركا والغرب والليبراليين والوطنيين. بينما صحيفة «اطلاعات»، التي كانت ذات توجه وطني وليبرالي، قد أولت أهمية كبيرة لأنشطة الأحزاب الوطنية والليبرالية والخط الوسطي. أما «آيندكان» الصباحية، فإنها كانت مزيجا من «اطلاعات» و«كيهان» وأكثر شجاعة منهما في انتقاد رجال الدين وفكرة إقامة نظام ديني في إيران.

ومن بين المجلات الأسبوعية، تحولت «أُميد إيران»، الواسعة الانتشار، إلى منبر للشخصيات والتنظيمات المطالبة بقيام نظام علماني في البلاد. بينما مجلة «تهران مصوّر»، كانت أكثر تقرباً من اليسار الوطني.

شهر العسل بين الصحف والمجلات والإمام الخميني، لم يستمر طويلاً، إذ انّ الإمام الخميني وبعد أقل من ستة أشهر من قيام الثورة، أعلن أنه «لن يقرأ صحيفة آيندكان»، وما مضى على قوله هذا يوم واحد حتى انطلقت مسيرة ضخمة تحت قيادة بعض رجال الدين الثوريين في طهران، قام خلالها المتظاهرون بإحراق مبنى صحيفة «آيندكان»، ومن ثم الهجوم على مبنى مجلة «أُميد إيران» التي تجرّأ رئيس تحريرها ونشر صورة الدكتور شابور بختيار آخر رئيس وزراء في عهد الشاه على غلافها، مؤكداً على أن بختيار كان رمزاً للوطنية والعلمانية والشعب الإيراني قد ارتكب جريمة كبرى بحق نفسه بعدم حماية بختيار وتركه وحيداً في مواجهة عاصفة الثورة الإيرانية.

وقد شهدت طهران في ذلك اليوم بشهر يوليو (تموز) 1979، أحد أيامها السوداء، اذ نشبت معركة دامية بين مسلحي «حزب الله» وفدائيي الإمام وحرس الثورة مع الطلبة والنساء والمثقفين المدافعين عن الصحف المستقلة.

وبموجب قرار أصدرته وزارة الإرشاد (تعادل وزارة الثقافة) في اليوم التالي، تم توقيف أربع صحف وخمسين مجلة وصحيفة أسبوعية بأمر الإمام الخميني.

ومن أغسطس (آب) 1979، وحتى انتخاب محمد خاتمي في مايو (أيار) 1997، كانت الصحف القليلة التي واصلت صدورها: «كيهان»، «اطلاعات»، و«جمهوري إسلامي»، وبعض الصحف والمجلات المهنية والدينية ذات توزيع محدود جداً، وكانت تشبه نشرات حكومية بلا طعم، بحيث لم تكن «كيهان» تختلف عن «اطلاعات» وهما تشبهان «جمهوري إسلامي». ورغم أن ظهور صحيفة «سلام» اليسارية الدينية التوجه أواخر عهد الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني، أثار اهتمام بعض التيارات السياسية، غير أن توزيع الصحيفة لم يرتق إلى أكثر من ثلاثين ألف نسخة يومياً، علماً أن صحيفة «اطلاعات» في الفترة القصيرة التي كان الدكتور بختيار يتولى فيها رئاسة الوزراء، قد تجاوز توزيعها مليون نسخة في اليوم، بينما كان توزيع «كيهان» أيضاً بحدود المليون. اما توزيع كافة الصحف الصادرة في طهران عشية انتخاب خاتمي، كان اقل من مائتي الف نسخة.

لم يتسبب انتخاب خاتمي في تغيير الاجواء السياسية فحسب، بل بنظرته المتفتحة واعتقاده بضرورة تعميم الحريات وضمان حق التعبير عن الرأي. ان اسم «ما شاء الله شمس الواعظين» لم يكن مطروحا حتى سبتمبر/ايلول 1997، رغم انه كان صحافيا لامعا، ليتولى مسؤوليات صحافية رفيعة في كيهان ومن ثم مجلة «كيان»، اذ انه كان يوقع مقالاته باسم «محمود شمس». واواخر عهد رفسنجاني تمكن شمس الواعظين من ايجاد حلقة من النخب الثقافية والفكرية بمساعدة الفيلسوف والكاتب والاستاذ البارز عبد الكريم سروش Soroush باسم «حلقة كيان» ومجلة فكرية فلسفية ثقافية باسم «كيان». وبعد فوز خاتمي، اتفق شمس الواعظين مع اثنين من رفاقه هما حميد رضا جلائي بور ومحمد محسن سازكارا (مساعد رئيس الوزراء في عهد محمد علي رجائي) لاصدار صحيفة باسم «جامعة» ـ اي المجتمع ـ علما ان خاتمي كان قد رفع شعار المجتمع المدني، ضمن شعاراته الانتخابية.

كان ظهور صحيفة «جامعة» بشكلها المختلف عن شكل الصحف الرسمية الصادرة آنذاك، منعطفا في تاريخ الصحافة الايرانية بحيث حققت الصحيفة نجاحا ليس فقط في مجال انتشارها ومقدار توزيعها فحسب، بل ان شمس الواعظين اسس مدرسة صحافية جديدة في ايران. ونجح في استقطاب عدد من ابرز الكتاب والصحافيين، غير ان السلطة العليا والتيارات المحافظة التي كان فوز خاتمي بمثابة كابوس لها، ابدت استياءها ورفضها لأسلوب صحيفة «جامعة» وتوجهات كتابها بعد صدور بضعة اعداد من الصحيفة. ورغم ان خاتمي ظل مدافعا عن «جامعة» والعاملين فيها غير ان المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي أمر بتوقيفها بعد ستة اشهر من صدورها وبتوزيع قد تجاوز نصف مليون نسخة في اليوم.

وفور توقيف «جامعة» بأمر القاضي سعيد مرتضوي النائب العام لطهران والذي كلفه خامنئي بمراقبة الصحف ودور النشر، استفاد شمس الواعظين وزملاؤه من امتياز صحيفة محلية في خراسان باسم «توس» بحيث عادت صحيفة «جامعة» تحت اسم «توس» وحينما تم توقيف «توس»، اصدر شمس الواعظين وفريقه صحيفة «نشاط» ومن بعدها «صبح آزاديفان» التي جرى بعد توقيفها واعتقال شمس الواعظين وحبسه لمدة ثلاث سنوات. وخلال الفترة نفسها صدرت صحف اصلاحية اخرى، ابرزها «صبح امروز» لمستشار خاتمي سعيد حجاريان، و«مشاركته» لشقيق خاتمي الدكتور محمد رضا خاتمي نائب رئيس البرلمان السابق، و«خرداد» و«فتح» لوزير داخلية خاتمي الاصلاحي عبد الله نوري الذي دخل السجن لمدة خمس سنوات بعد توقيف صحيفتيه، وصحيفة «بهار» و«آريا».

والصحف الاصلاحية والمجلات التي انتهجت الخطاب الاصلاحي والليبرالي جعلت ايران اكثر الدول في المنطقة نشاطا وحرية في مجال الاعلام في السنوات الاولى لرئاسة خاتمي، غير ان الوضع تغير بسرعة بعد ان اتهم آية الله خامنئي الصحف الاصلاحية بأنها تحولت الى قاعدة العدو (أي أميركا)، بحيث اصدر القاضي سعيد مرتضوي قرارا بايقاف 18 صحيفة يومية و90 مجلة اسبوعية وشهرية دفعة واحدة مما يعني ان اكثر من عشرين الفا من الكتاب والصحافيين والفنيين قد وجدوا انفسهم بلا عمل، فيما انتهى أمر بعضهم مثل اكبر كنجي وعماد الدين باقي وشمس الواعظين الى السجن (وكنجي لا يزال في سجن ايفين). اما سعيد حجاريان وبعد تعرضه لمحاولة اغتيال، يقضي ايامه على كرسيه المتحرك.

وبغياب الصحف الاصلاحية، حاول بعض الصحافيين والكتاب معاودة الاتصال مع قرائهم عبر الإنترنت، وذلك عن طريق انشاء مواقع وصحف إلكترونية، غير ان القاضي سعيد مرتضوي الذي كان لديه الصك الابيض من المرشد الأعلى ليغلق كافة نوافذ عبور الخبر الحر والتحليل الموضوعي رفع سيفه هذه المرة ضد المواقع الإلكترونية، وذلك باعتقال العشرات من اصحاب تلك المواقع اي Weblog فيما قامت وزارة الهاتف والبرق والبريد بفرض رقابة متشددة على المواقع الإلكترونية والبرامج الاذاعية والتلفزيونية الموجهة عبر القنوات الفضائية وشبكة الإنترنت.

كما اصدر المجلس الاعلى للأمن القومي قانونا بتشكيل لجنة خاصة لمنع رؤية المواقع المحظورة من قبل مستخدمي الإنترنت بواسطة آلية Filtering، ورغم ذلك وبينما يواجه اكثر من اربعة آلاف من اصحاب المواقع الإلكترونية السجن والغرامة المالية الباهظة، غير ان هناك اكثر من 790 ألف موقع إلكتروني على الإنترنت ينشر عبرها الآلاف من الكتاب والمثقفين والنشطاء السياسيين والطلبة مقالاتهم وتحليلاتهم واخبار المعارضة والانشطة الفكرية والثقافية، متجاوزين خطوط النظام الحمراء وFiltering بواسطة برامج خاصة Anti Filtering وبعض المواقع الإلكترونية، مثل صوت أميركا ينشر يوميا برامج جديدة لكسر الطوق المفروض على المواقع الإلكترونية.

March 5, 2006 10:31 AM






advertise at nourizadeh . com