September 07, 2007

إيران.. معركة الرأسين

Ahmadinejad-Rafsanjani-1.jpg

رفسنجاني عاد إلى الأضواء متجاوزا عواصف خطيرة.. فهل يصمد مستقبلا
لندن: علي نوري زاده
بين ملوك اسرة القاجار التي حكمت ايران لأكثر من 150 عاما، قبل انتقال الحكم الى أسرة البهلوي من قبل البرلمان الايراني في عام 1922، كان ناصر الدين شاه من أكثر ملوك واباطرة ايران ذوقا وثقافة لدرجة انه حينما زار الملكة فيكتوريا في قصر ويندسور خلال زيارته الأولى لبريطانيا اواسط القرن التاسع عشر، رسم صورة الملكة وكتب تحتها شعرا باللغة الفرنسية، وكان يقول فيه: ان القلب لا يعشق اثنين في وقت واحد.. شيء قبيح كما لا يكون لجسد رأسان...

وحينما علم محمد حسن اعتماد السلطنة، وهو كاتب البلاط الملكي ووزير الانطباعات (الاعلام) الذي تعد مذكراته اليومية أحد أهم المصادر عن فترة حكم ناصر الدين شاه البالغة خمسين عاما، بما دار في قصر ويندسور، اختلق قصة حب ميلودرامية، بطلاها شاه ايران وملكة بريطانيا، قال في نهايتها ان ناصر الدين شاه بعد زفافه من الملكة دس لها السم في الشاي، فماتت بين يديه. وكتب اعتماد السلطنة ان هذه القصة من نسيج خياله، ويريد ان يقول فيها ان الارض لا تتسع لينام عليها ملكان، غير ان أربعين درويشا (الصوفيين) يمكنهم ان يناموا على سرير واحد.

ان ما يدور في ايران حاليا يشبه الى حد كبير قصة اعتماد السلطنة، بيد ان القصة هذه المرة ليست من نسج الخيال، فبطلاها مخلصان لبعضهما بعضا منذ أكثر من نصف قرن، وأكثر من ذلك، فإنهما تقاسما أيام الحزن والفرح، ودخلا السجن معا وعاشا في المنفى معا، ثم تحولا من خطيب ديني وقارئ موشحات أيام عاشوراء والعزاء الحسيني الى قطبين سياسيين يحكمان الشعب الايراني.

الأول علي أكبر هاشمي رفسنجاني ، كان تلميذا للخميني، قاد أهم الثورات في النصف الثاني للقرن العشرين، والثاني علي خامنئي الذي كاد أن يلتحق بقافلة شهداء الثورة اثر تفجير عبوة ناسفة وضعها رفاقه في النضال في مايكروفون كان يخطب من ورائه. وشاء القدر ان يصبح بعد حادث التفجير رئيسا للجمهورية، بينما شريكه ورفيقه في الحكم تسلم رئاسة البرلمان، كما انه وبأمر أستاذه روح الله، ذهب رئيس البرلمان الى جبهات الحرب نيابة عن الاستاذ ليقود الحرب ضد صدام الذي كان قد استضاف الاستاذ، أي روح الله، لمدة 15 عاما، ولما عاد روح الله الى بلده وصار حاكما اعتبر مضيفه ملحدا وطاغوتا.

وقبل وفاة الاستاذ، أي روح الله الموسوي الخميني، استدعى تلميذيه الى جانب فراشه، حيث حذرهما من الفرقة وقال لهما: لقد تغلبت على امبراطور كان يحظى بدعم العالم، وذلك بدعم الشعب لي، غير ان هذا الدعم لن يستمر لكما ان شعر الشعب بأن هناك خلافا في ما بينكما، أحذركما من النفاق ومن حاشيتكما، عليكما أن تكونا سندا لبعضكما بعضا، ان جاءك أحد يا ابني علي، وقال ان علي أكبر ينتقدك ويتآمر عليك، ولو زارك يا ابني علي أكبر أقرب الناس اليك وبدأ يهمس في اذنيك كلاما ضد علي، عليكما طردهما وعدم الانصياع الى كلامهما.. توفي الاستاذ وفي اليوم التالي توجه الشريكان الى مجلس الخبراء لاختيار خليفة لاستاذهما الراحل.

وكان هناك ثمانون فقيها أعلى مرتبة دينيا وأرفع مكانة فقهيا من علي وشريكه علي أكبر. ان ما شهده المجلس في ذلك الاجتماع التاريخي لن يزول من ذاكرة كثير من الايرانيين الذين فوجئوا بمشاهدة الشيخ علي أكبر يقول لأعضاء المجلس: لقد سألت امامنا الراحل وهو في الساعات الأخيرة من حياته، عمن هو المؤهل ليتولى مسؤولية القائد والولي الفقيه بعدك، فرد على الفور وبصوت مطمئن وواثق: طالما بينكم ابني علي.. لا تبحثوا عن شخص آخر.

وبهذه العبارات القليلة أخذ الشيخ علي أكبر بهرماني، الملقب بهاشمي رفسنجاني، المبايعة لشريك حياته سيد علي الحسيني خامنئي. وبخروجهما من مجلس الخبراء، كان سيد علي نائبا للمهدي الموعود ومرشدا للنظام، فيما كان الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني يتولى رئاسة الجمهورية. لقد صمدت الشراكة بين المرشد والرئيس أمام عواصف خطيرة ومرت الشراكة بسلام خلال «تسونامي» الاصلاحات، وتمكن الشريكان من تجاوز الخاتمية التي كانت اخطر تحد حيالهما منذ انطلاق الشراكة، غير ان خامنئي الذي بدأ يشعر ـ بعد سنوات من الجلوس على كرسي القائد الأعلى ـ بأنه لم يعد بحاجة الى شريك، بل صار قادرا على أن يُعين ويعزل، ويرفع مقام خدمه ويخفض مرتبة مريديه، انه يستطيع باشارة أحد اصابعه ان يجعل رجلا لا يعرفه سوى أعضاء أسرته في بضعة أسابيع أكثر الناس شهرة في العالم.. فلماذا يقاسم السلطة بينما السلطة أصبحت تحت قبضته؟

هكذا نسي السيد تحذيرات ونصائح استاذه، وحينما دخل شريكه الشيخ مسابقة الانتخابات، بدلا من ان يبقى حكما محايدا، وقف الى جانب أحمدي نجاد الذي لم يكن معروفا بدرجة كافية. الشيخ رفسنجاني لم يكن يصدق ان السيد خامنئي اختار سواه فعلا، لذلك فإنه لم يشتك إلا عند الله حينما تأكد من الامر.

ومنذ الانتخابات الرئاسية وحتى يوم الاثنين الماضي، عاش رفسنجاني مع أحزانه وحينما كان ابنه محسن يأتي اليه كل يوم ومعه بضع صفحات من صحف المرشد وتقارير صادرة في المواقع الالكترونية القريبة من أحمدي نجاد، وفيها عبارات قاسية ضده، كان الشيخ يخفي أحزانه أمام ابنه الشاب ويبتسم قائلا: يا ابني لم تنته القصة، انتظر قليلا فسوف يأتي اليوم الذي قد يندم شريكي على ما فعله بي.

صباح يوم الاثنين الثالث من سبتمبر (ايلول) 2007، الميلادي دخل رفسنجاني مبنى مجلس الخبراء، وهو الذي استطاع بلعبته الذكية قبل 18 عاما، أي بعد وفاة استاذه، إيصال شريكه خامنئي الى سدة القيادة. جلس وراء منصة الهيئة الرئاسية بهدوئه المعتاد، ثم القى خطابا مهما حول سياسات البلاد والملف النووي والعلاقات مع الولايات المتحدة، وباعتباره رئيس مجلس الخبراء بالنيابة دعا النواب ليدلوا بأصواتهم بصورة خفية لانتخاب الرئيس الجديد للجهاز الذي من مسؤولياته عزل المرشد وانتخاب مرشد جديد بعد وفاة او عزل المرشد الراحل أو المقال. وعند فرز الاصوات تبين أنه نال 41 صوتا مقابل الشيخ أحمد جنتي، شيخ المتطرفين المدعوم من قبل شريكه السابق المرشد الحالي علي خامنئي ورئيس الجمهورية والتيارات الاصولية والراديكالية، الذي نال 34 صوتا تم الغاء أحدها بسبب الخدش فيه. خرج الشيخ علي أكبر من مجلس الخبراء منتصرا. ومرة أخرى أصبح للسلطة رأسان وللجمهورية الاسلامية رأسان لا يتفقان مع بعضهما بعضا.

بعد الانتخابات الرئاسية ونتيجة للشعور بالخوف والقلق الذي ساد اوساط الاصلاحيين والبراغماتيين، قرر رفسنجاني وخاتمي وكروبي إنشاء حلف فيما بينهم لاستيعاب القوى الاصلاحية والطلاب والنساء والجامعيين والكوادر المتعلمة التي تولت المناصب القيادية في حكومتي رفسنجاني وخاتمي، وذلك استعدادا للانتخابات البرلمانية المقبلة في شهر مارس (آذار) المقبل.

غير أن احمدي نجاد، الذي يحظى بدعم المرشد اللا محدود، والأوساط الراديكالية في القضاء والاستخبارات والحرس الثوري، لم يجلس القرفصاء أمام تحركات الأقطاب الثلاثة، بحيث تم أولا اغلاق صحيفتي «شرق» و«هموطن» باعتبارهما لسان حال الاصلاحيين وأكثر الصحف توزيعا وانتشارا. ثم جرى توقيف وكالة «ايلنا» القريبة من خاتمي، وهو قرار يهدف الى حرمان الاصلاحيين والبراغماتيين من منبرهما الاعلامي، وجاء دور المواقع الالكترونية المؤثرة للاصلاحيين وأصحاب الرأي الآخر، حيث جرى منع زبائن هذه المواقع من مشاهدتها بفرض نظام رقابي متشدد عليها وتوقيف عدد من مراكز الخدمات الكومبيوترية. وتزامن ذلك مع توجيه حملات مدروسة في الصحف والمواقع الالكترونية ومن فوق منابر المساجد ومنصة الخطاب بصلاة الجمعة ضد رموز التيارات الاصلاحية والبراغماتية.

وعلى صعيد حصر دور الطلاب والاكاديميين فقد تم طرد العشرات من أساتذة الجامعات مثل الدكتور حسين بشيريه، والدكتور محسن كديور، والدكتور هادي سمتي، والدكتور عبد الكريم سروش المفكر البارز، وتعرض قادة التنظيمات الطلابية وفي مقدمتها مكتب تعزيز الوحدة في الوقت نفسه لحملة المداهمات والاعتقالات.

ومما يجدر ذكره انه بتشديد الضغط والحصار على الاصلاحيين، وأصحاب الرأي الآخر، بدأ بعض رموز مرحلة الاصلاحات مثل مهدي كروبي بالابتعاد عن حلفائهم في جبهة الاصلاحات. ومما يقال في الوسط الاصلاحي، إن جهات نافذة تمكنت من كسب ولاء اصلاحيين كبار بينهم كروبي من خلال وعدهم بعدد من مقاعد البرلمان في الدورة المقبلة مقابل انفصالهم عن خاتمي ورفسنجاني.

ويقول مراقبون إن ايران تعيش حاليا حالة من الخلافات الحادة مع تزايد الحديث عن احتمال توجيه ضربة أميركية ضد المنشآت النووية والعسكرية، ويشيع البعض احتمال حدوث مظاهرات شعبية على غرار ما دار بعد تطبيق نظام الحصص للبنزين هذه المرة بشكل أوسع وفي مختلف انحاء البلاد، خصوصا مع تدهور الوضع الاقتصادي الذي كان من أهم أسباب تصاعد الخلاف بين أحمدي نجاد ومحافظ البنك المركزي السابق الدكتور ابراهيم شيباني، ومن قبله مع وزيري النفط والصناعة، وبدأ هذا الوضع يترك بصماته على حياة الملايين من الايرانيين. فمعدل التضخم تجاوز 14.5 بالمائة حسب الاحصاءات الرسمية و 22 بالمائة حسب المصادر المستقلة في البنك المركزي، وبورصة طهران شهدت سقوطا كبيرا لقيمة الأسهم، فيما معدل البطالة بلغ عشرين بالمائة، لكن رغم ذلك فإن البعض يرى في الاختلافات فائدة، وان الاوضاع الاقتصاية ليست بالسوء الذي يراه المعارضون، وبين هذا وذاك تروى قصص كثيرة في ايران.

* الحرس الثوري: دولة داخل دولة

* بعد اسبوع على انتصار الثورة عقد عدد من الطلاب الايرانيين الأعضاء في اتحاد الطلاب المسلمين في الخارج، الذين عادوا الى البلاد برفقة الامام الخميني، اجتماعا في أحد مكاتب رئاسة الوزراء بحضور الدكتور ابراهيم يزدي، أحد مستشاري الامام، تحدث فيه أحد الطلاب وهو محسن سازكارا من المعارضين للشاه، عارضا فكرة تشكيل حرس خاص لحماية الثورة. وقد وجدت الفكرة ترحيبا كبيرا في ظل ان الامام الخميني وأنصاره كانوا يعتبرون الجيش، رغم التحاقه بصفوف الشعب واستسلام قادته لرغبة الايرانيين والتخلي عن التزامهم بصيانة الدستور وحكومة الدكتور شاهبور بختيار، جيشا شاهنشاهيا بنزعة قومية علمانية. وهكذا قوبل اقتراح سازكارا ليس بترحيب الشباب الثوريين الذين كانوا يحملون السلاح بعد اغارتهم على مستودعات الأسلحة في ثكنات الجيش فحسب، بل ان الامام الخميني أمر بتنفيذ الفكرة وعين آية الله لاهوتي ممثلا عنه ومشرفا على حراس الثورة. وبعد بضعة أشهر، وفيما انشغل سازكارا ورفاقه بشؤون سياسية بمكتب رئيس الوزراء بازركان ومساعده يزدي، تسلم آخرون من أبناء تجار البازار المؤيدين للخميني وأعضاء سبع مجموعات ثورية مسلحة منذ ما قبل الثورة التي جرى دمجها في منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية زمام الحرس. ومن هؤلاء الكادر المؤسس محسن رضائي، أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام حاليا، وقائد الحرس السابق، ومحسن رفيق دوست وزير الحرس السابق ومدير مؤسسة المستضعفين السابق ومدير مؤسسة نور حاليا، وكلاه دوز، الذي استشهد خلال الحرب مع العراق اثر سقوط طائرته، وعباس زماني الملقب بأبو شريف اول قائد للحرس الذي سبق ان تلقى تدريبات عسكرية في أحد معسكرات حركة فتح الفلسطينية ببيروت.

لقد شكل هؤلاء الحرس الثوري بالتحاق الآلاف من الشبان المتحمسين. وأول مواجهة للحرس كانت في كردستان، حيث ارسلهم الامام الخميني لقمع تمرد الأكراد بقيادة الحزب الديمقراطي الكردي، وزعيمه الدكتور عبد الرحمن قاسملو. وبعد كردستان شاركت وحدات الحرس بقيادة محسن رضائي في عملية قمع التركمان شمال ايران. وباندلاع الشرارة الأولى للحرب الايرانية ـ العراقية، توجهت وحدات الحرس الثوري بكاملها الى جبهات الحرب. في عام 1994 أصدر الرئيس الايراني الأسبق هاشمي رفسنجاني حكما سمح بموجبه بقيام وزارة الاستخبارات والحرس بأنشطة تجارية واقتصادية لتمويل برامجها ومشاريعها. ومنذ ذلك الحين وحتى الآن بنى الحرس امبراطورية مالية ضخمة تسيطر على 60 ميناء غير شرعي ومطار بيام (مطار خاص للبريد السريع)، كما لدى الحرس 450 شركة حقيقية و1700 شركة اسمية بدبي و70 مؤسسة وشركة تجارية في لبنان وسورية وقبرص والمانيا. وسياسيا يتحكم الحرس بمختلف شؤون البلاد بوجود 76 نائبا في البرلمان و5 وزراء و14 نائبا للوزير و69 مديرا عاما و36 سفيرا وقنصلا وقائما بالأعمال و109 مديرين للشركات والمؤسسات الاقتصادية الكبرى من كوادره داخل اجهزة الدولة.

September 7, 2007 10:49 AM






advertise at nourizadeh . com